مقالات صحفية


أهمية اللغة العربية في تعزيز الهوية وبناء المؤسسة التعليمية

الإثنين - 14 أكتوبر 2024 - الساعة 06:01 ص

د.أمل صالح سعد راجح
الكاتب: د.أمل صالح سعد راجح - ارشيف الكاتب


يعد تناول موضوع اللغة العربية والهوية في المنظومة التربوية والتعليمية من المواضيع المهمة والشائكة في الوقت الراهن؛ نتيجة للتغيرات المتسارعة من حولنا، التي لم تمس المؤسسة التعليمية والتربوية فقط، وإنما منظومة حياتنا برمتها. لقد شكل موضوع الهوية واللغة العربية ودورهما في المنظومة التربوية والتعليمية موضوعان جد متداخلان، باعتبار أن اللغة هي هوية بحد ذاتها وتشكل أهم العناصر المكونة للهوية، التي يمكن تعريفها بأنها " الآلية التي يمكن للفرد خلالها أن يُعرف نفسه في علاقته بالجماعة الاجتماعية والثقافية التي ينتمي إليها، وعن طريقها يتعرف عليه الآخرون بوصفه منتميًا إلى تلك الجماعة. وهي آليه تتجمع عناصرها المتعددة على مدار تاريخ الجماعة (عنصر التاريخ) وعبر تراثها الإبداعي(الثقافة) وأنماط حياتها (الواقع الاجتماعي) والملامح الحقيقية للهوية- وفقًا لهذا التعريف- هي التي تنتقل زمنيًا داخل الجماعة وتظل محتفظة بوجودها وحيويتها مثل القيم والتراث الثقافي واللغة والفنون والآداب، وطرائق الحياة وأنماط الحياة وأنماط التفكير...الخ
نعاني اليوم من التضاد بين الهوية التقليدية، وهوية الجيل الجديد، التي انبثقت من فعل العولمة، إذ غزت كل جانب من جوانب حياتنا، ولم تكن اللغة العربية إلا جانبا من هذه الجوانب التي تحاول أفكار ما بعد الحداثة طمسها واحلال لغة بديلة، استهلاكية تناسب ما يحدث في حياتنا التي غزتها الفردية، والانانية، وحب الشهرة والاستهلاك السريع لكل ما يصل إلينا، وهذا جلي للعيان من خلال ما يتواصل به الشباب اليوم من لغة غريبة، لغة هجينة تجمع بين اللغة العربية والأجنبية، ايضا التعبيرات المستخدمة في وسائل التواصل الاجتماعي من استبدال بعض الحروف العربية بالحروف الأجنبية؛ مما يؤدي إلى تغيير شكل الكلمة وعدم فهم معناها، وهذا يعود في نظرنا كما اشارت الورقة إلى أن اللغة تتأثر بمحيطها وتؤثر فيه، ونحن في أوطان تمر بأزمات عديدة، نتصارع فيما بيننا، ونصارع اعدائنا، كل ذلك لم يعطنا مجال في ان ننظر إلى هويتنا وهي اللغة وما يحاك لها من المأزق والمهاوي.
كما يعاني الجيل الجديد من عجز في الربط بين علاقة الدال بالمدلول، وعدم مقدرته عن التعبير عما يختلج مشاعره أو ما يريد قوله، وهذا يعود بالأساس إلى غياب أو ضعف تعلم مهارات اللغة العربية (مهارة الاستماع، مهارة القراءة، مهارة التحدث، مهارة الكتابة) وكل مهارة تندرج تحتها عناصر عديدة منها: فهم المعنى الإجمالي، تفسير الكلام والتفاعل معه، تقويم الكلام ونقده، ربط المضمون بالخبرات الشخصية) وكل هذه المهارات لا توليها المؤسسة التعليمية والتربوية الاهتمام الكافي، ويتخرج الطالب من المدرسة والجامعة لا يكتب أو يتكلم بالشكل الصحيح. إذ كان فيما مضى يتم العناية بتدريس اللغة العربية في المراحل الأولى من عمر التلميذ، وتعويده على قراءة موضوع الدرس، وتكليفه بإعداد موضوع تعبير، وكتابة إنشاء، والعناية بالخط، وكتابة الجمل وترتيبها، لكن في الوقت الحاضر، تم اهمال مادة اللغة العربية، وأحيانا يتم وضعها في آخر الجدول الدراسي؛ مما أدى إلى ضعف الاهتمام بها في نفوس التلاميذ، ويعود ذلك بالدرجة الأساسية للمنظومة التعليمية والتربوية التي لم تولي الاهتمام الكافي لترغيب التلاميذ وتحفيزهم على حب مادة اللغة العربية. كما لا ننسى تقصير أولياء أمور التلاميذ واهمال تعليم أبنائهم اللغة العربية.
- إضافة لما سبق نجد أن هناك جوانب تؤثر على اللغة العربية والتحدث بها منها:
-1 " العامية وآثارها السلبية على اكتساب المهارات اللغوية:
إذ إن ما يبنيه معلم اللغة العربية معرض للهدم بسبب انتشار العامية في مرافق الحياة: في البيت والشارع حتى إن كثيرا من المسلسلات التلفزيونية والإذاعية تقدم برامجها بالعامية. ومن هنا نجد أن المتعلم لا يستمع إلى العربية إلا في ساعات قليلة. وهذه الساعات المحددة غير كافية لاكتساب المهارات اللغوية. يضاف إلى ذلك أن لأغلب المعلمين حتى ضمن جدران الأقسام يستخدمون العامية في تدريسهم وشرحهم، ولا يعملون على تشذيب إجابات المتعلمين إذا ما كانت بالعامية، فيرسخ الخطأ على الألسنة والأقلام.
-2 طرائق التدريس والأساليب التلقينية التي نتبعها في تدريس اللغة:
عامل آخر من عوامل ضعف الاستيعاب؛ إذ إن اللغة لا تكتسب إلا بالممارسة والمران والاستخدام المستمر. والطرائق التلقينية تجعل المتعلمين سلبيين انفعاليين لا إيجابيين فعاليين مما يفوت عليهم استخدام اللغة ويحول بالتالي دون اكتساب المهارات اللغوية"
- كما تعد عملية المزاوجة في التعليم بين اللغة العربية واللغة الأجنبية، إحدى التهديدات التي تطال هوية التعليم باللغة العربية، حيث أشار بعض المفكرين إلى هناك ثمة بون شاسع بين تعلم (أو تعليم) لغة اجنبية، والتعليم (أو التدريس) بلغة اجنبية. فتعلم لغة اجنبية بغية الانفتاح الفكري والثقافي والاطلاع على ميادين العلم والمعرفة شيء والتعليم بلغة اجنبية أي أن يتلقى الدارس كل العلوم الدراسية أو جزء منها بغير لغته القومية، وتصبح اللغة الأجنبية الوسيط الرئيس الذي يتلقى به العلم والمعرفة شيء آخر. فمن يدرس بلغتين معًا، أو لمن يتعلم بلغة اجنبية والآخر وطني، إذ يعاني مشكلة في تكوينه اللغوي؛ إزدواجية لغوية تعوقه في نهاية المطاف عن إتقان لغته القومية، وهذا هو المشكل، كما يؤدي طول فترة التعليم والاعتماد بشكل أساس على اللغة غير القومية إلى ما أطلق عليه إركسون (الهوية المشتتة) ولا سيما في ظل تضاؤل الفرص لتحقيق نمط تعليم متجانس يعتمد على اللغة القومية ويدعمها.
وهنا يحضرني قول ابن خلدون في التعليم، "إنه من المذاهب الجميلة، والطرق الواجبة في التعليم ان لا يخلط على المتعلم علمان معًا فإنه حينئذ قل ان يظفر بواحد منهما: لما فيه من تقسيم البال، وصرفه عن كل واحد منهما إلى تفهم الآخر فيستغلقان معا، ويستصعبان، ويعود منهما بالخيبة؛ وإذا تفرّغ الفكر لتعليم ما هو بسبيله مقتصرًا عليه فربما كان ذلك أجدر بتحصيله".
لقد عالج ابن خلدون بنظرته تلك ما هو واقع، وحادث في العمليّة التعليميّة في العصر الحديث؛ من إدخال تعليم اللغات الأجنبية كاللغة الإنجليزية، والفرنسية في المرحلة الأساسية في بعض المدارس العامة والمدارس الخاصة، في الوقت الذي يكون تلميذ المرحلة الاساسية محتاجًا إلى أن يتقن لغته الأم (اللغة العربية)؛ وبهذا الخلط بين تدريس اللغات الأخرى للتلاميذ مع اللغة الأم يسبب لكثير من التلاميذ صعوبة في استيعاب لغتهم الأم بشكل جيد؛ وكذا استيعاب اللغات الأخرى. إن الاقتصار على الّلغة العربية، وتدريسها للتلاميذ في مراحلهم الأساسية من التعليم أجدر باستيعابها وإجادتها؛ ومن ثمّ في مراحل متقدمة من عُمر التلاميذ يمكن تدريسهم اللغات الاخرى.
- كما أكد بعض الدارسين على ان "الاعتماد على اللغة القومية في التعليم، يقوي شدة الارتباط بالهوية العربية، ومقوماتها الأساسية، وما يفضي إليه الاعتماد على اللغات الأجنبية من فجوات ومشكلات في الهوية العربية لدى الدارسين بها، ووهن في وشائج الانتماء إلى الوطن وعدم الاهتمام بقضاياه وهمومه وتطلعاته" حيث تعد هوية اللسان العربي (اللغة العربية) نابعة من أهمية اللغة نفسها، كونها تراث ثقافي غني وعريق، تعطي للمتلقي، أو التلميذ فهمًا أعمق بتراثه التاريخي، والأدبي، كما أنها تعد مخزون لغوي يحتوي على القيم التي تعمل على بناء شخصية الفرد المسلم. كما تعد اللغة العربية من أهم مقومات الانتماء، حيث أشار بعض الباحثين إلى انه لا تكاد توجد محاولة واحدة لتحديد بنية الهوية العربية لم تدخل اللغة في صميمها، على الرغم من الاختلاف حول طبيعة العناصر الأخرى المشكلة للهوية. فالنسبة الأكبر من الجماعات الاجتماعية التي تعيش في المجتمع العربي تتحدث العربية، وتنتمي إلى الثقافة العربية وإلى الوطن العربي ومن ثم اتفق هؤلاء الباحثون على ان اللسان العربي- أي التحدث باللغة العربية- يمثل أحد معايير التصنيف المهمة للجماعات التي تعيش في المجتمع العربي.
- كما للغة العربية دور مهم في الوقت الحاضر؛ لما اعترى حياتنا من الوهن، وضعف القيم وتخاذل من حولنا، وأصبحنا أحوج إلى تنمية قيمنا في علاقتنا الاسرية، وأماكن عملنا، وفي شوارعنا واسواقنا، وأحرى بالمنظومة التربوية ان تسعى جاهدة إلى تنمية القيم، وترسيخها في نفوس الطلاب، عن طريق حصص الأدب والنصوص، وخلال اطلاع الطالب على تراث امته العربية والإسلامية تتعزز ذخيرته القيمية، كما يعد الاتصال بكتاب الله الكريم وسنة رسوله، منحى مهم في ارتباط الطالب او التلميذ بلغته وهويته أيضا. ومن أهم القيم التي تحث عليها اللغة العربية هي قيم الاخلاق، إذ تؤدي إلى تهذيب عادات الطلاب والسمو بأخلاقهم، وتزويدهم بما يحتاجون إليه من فضائل وهي تعكس ما هو مرغوب ويفيد المجتمع فتدعمه، وما هو متعارض مع قيم المجتمع فتحذر منه. ولنتأمل قول أمير الشعراء احمد شوقي:
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه فقوم نفسك بالأخلاق تستقم
- كما نحن احوج اليوم، إلى تنمية القيم التربوية، التي تزخر بها كتب الأدب والشعر في اللغة العربية، فنحن في حاضرنا نحتاج وبشدة إلى تنمية القيم التربوية، كالوفاء والشجاعة والحلم والصبر والصدق والأمانة والكرم وغيرها من الخصال التي تسهم في تربية الناشئة على مستوى الفرد والمجتمع؛ لأن من أهداف التعلم المستهدفة في موضوعات الشعر أن تسهم في تأسيس قيم تربوية لدى المتعلم تنعكس على سلوكه ويمكنه التأثير بها على الآخرين.
- كما نلحظ اليوم مع الأسف قلة انتماء الجيل الجديد لأوطانهم ورغبة في الهجرة والاستقرار في بلاد الغرب - نتيجة لأسباب عديدة لا يتسع المجال لذكرها- وعدم التفاعل مع قضايا الوطن وقضايا الأمة، فهناك فرق وبون شاسع بين جيل اليوم وجيل الأمس؛ الذي كانت كل قضية تلهب مشاعرهم وتوقد حماسهم. ان " قيم المواطنة تتجسد في الأدب العربي من خلال ما جادت به قرائح الشعراء بقصائد مليئة بالوطنية والشعور بالانتماء والحب والشوق والحنين الذي لا يقاوم للوطن، وكان واضحًا جليًا في الكثير من اشعارهم، واورد لكم قصيدة شاعر اليمن (البردوني) عن حب الوطن بعنوان وطني انت ملهمي:
وطني أنت ملهمي
هزج المُغرم الظميّ
أنت نجوى خواطري
والغناء الحلو في فمي
ومعانيك، شعلة في عروقي وفي دمي
أنت في صدر مزهري
موجة من ترنّم
وَصدى مسكر إلى عالم الخلد ينتمي
ونشيد معطّر كالربيع المرنّم
وهتاف مسلسل
كالرحيق المختّم
خاتمة:
ولا يسعني في هذا المجال الا ان أورد بعض الملاحظات عسى ان تجد اذانا صاغية من قبل المربين والمنظومة التربوية والتعليمية في الوطن العربي:
1- العودة الى القرآن الكريم وتلاوته وتدبر آياته، وغرس حب قراءة القرآن في نفوس الأطفال، لأنه مدعاه لحب اللغة العربية والمحافظة عليها.
2- تطوير طرق تدريس اللغة العربية، مع استخدام الطرق التكنولوجية الحديثة في نشر اللغة العربية وتعليمها.
3- اصدار قوانين ملزمة للمحافظة على اللغة العربية وإلزام المؤسسات التعليمية، بالاقتصار عليها في المراحل الأولى من التعليم العام.
4- الاستفادة من وسائل الاعلام واستخدامها في نشر اللغة العربية الفصحى.
5- إقامة المنتديات والورش الأدبية والثقافية ونشر الشعر والنثر العربي والاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي في تحقيق ذلك.
6- تشجيع الطلاب في المدارس والجامعات على استخدام اللغة العربية من المسابقات الثقافية والمناقشات العامة التي تهتم بإبراز محاسن اللغة العربية واهميتها.
7- إقامة الندوات لمدرسي اللغة العربية واطلاعهم على أحدث وانجح الطرق السمعية والبصرية لتدريبهم على استخدامها.
8- إلزام المؤسّسات المختلفة والمحالّ التجارية باستعمالها بدلاً من اللغات الأجنبية، أو اللهجات العامية.
9- توجيه مؤلّفي المسلسلات، والمسرحيات لاستخدام اللغة العربية المبسّطة فيما يتمّ تأليفه وعرضه على شاشات التلفزة، والتقليل من استعمال اللغة العاميّة في الصحف، أو الإعلانات المنتشرة.
10- استخدام اللغة العربية وتوظيفها في كلّ مناحي الحياة وجميع المؤسّسات الإدارية، والتربوية، والعملية.

الهوامش
- رشاد عبدالله الشامي، إشكالية الهوية في إسرائيل، عالم المعرفة؛ 224 (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب،1997.
- احمد حسين حسنين، لغة التعليم وتأثيرها في الهوية العربية دراسة ميداني على عينة من الطلاب المصريين في ظل أنظمة تعليمية متباينة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
- عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، راجعه وقدمه عبد الباري محمد الطاهر، دار الغد الجديد، القاهرة، الطبعة الأولى،2012م.
- عبدالقادر باقادر وعز الدين صحراوي، واقع اللغة العربية في المنظومة التعليمية: بين الاستعمال والإهمال، مجلة الأثر، العدد 29، 2017م.
- هلال محمد علي السفياني وعادل كرامة معيلي، دور اللغة العربية وأثرها في مجال التربية والتعليم، مجلة الاندلس للعلوم الإنسانية والاجتماعية، العدد 90، المجلد11، 2024م.




الأكثر زيارة


الكشف عن عملية عسـ,كرية دولية لتحييد الحوثـ,يين ومحلل سياسي .

الأحد/13/أكتوبر/2024 - 03:38 م

توقع محلل سياسي، تدخلًا دوليًا في عملية عسكرية ضد مليشيا الحوثي، لتحييدها عن ساحل البحر الأحمر. وقال رئيس مركز "أبعاد" للدراسات الاستراتيجية، عبدالسلا


مساء الأحد..الريال يواصل التراجع في المحافظات المحررة ويسجل .

الأحد/13/أكتوبر/2024 - 11:03 م

اسعار الصرف وبيع العملات الاجنبية مقابل الريال اليمني مساء اليوم الأحد بالعاصمة عدن الموافق 13 اكتوبر 2024 م الريال السعودي: الشراء = 518 البيع = 521


من هو الوزير الذي اشترى قصر فاخر في القاهرة ؟.

الإثنين/14/أكتوبر/2024 - 02:46 ص

قال الصحفي المعروف صالح الحنشي ان وزير في الحكومة اشترى مؤخرا قصر فاره في العاصمة المصرية القاهرة . تأتي هذه الانباء وسط حالة معيشية صعبة يعيشها الناس


توقعات ليلى عبد اللطيف لعام 2025: مفاجآت وأحداث مرعبة .

الإثنين/14/أكتوبر/2024 - 02:43 ص

يتابع الكثيرون توقعات ليلى عبد اللطيف باهتمام كبير، خاصة بعدما تصادف تحقق بعض توقعاتها في الآونة الأخيرة على المستوى الدولي والاجتماعي والفني والرياضي