مقالات صحفية


توأمة مع البودي

الجمعة - 15 ديسمبر 2023 - الساعة 10:32 م

فكري القاسم
الكاتب: فكري القاسم - ارشيف الكاتب


وأنت شاب رايح لدراسة الجامعة لأول مرة في حياتك بأيش باتفكر؟
بالنسبة لي فكرت بشكلي وبمظهري الخارجي وسافرت من تعز لدراسة الجامعة في صنعاء سنة 1995 ومعي شنطة ملابس صغيرة، في داخلها عدد قليل من الثياب المتواضعة، شحنتها في خانة العَفْش داخل باص النقل البري، وأنا أفكر بأناقتي الشخصية ووصلت بعد المغرب إلى صنعاء وانا في شوق كبير للأناقة اللي تعجب البنات .

وبمجرد ما أن توقف الباص بفرزة باب اليمن ؛ نزلت أدوِّر على شنطة ملابسي بين حقائب المسافرين، ولم أجدها، كانت قد ضاعت مدري فين ولم أعثر لها على اي اثر ؛ورفت عيني متشائمة ذيك الساع، وشعرت بأنها بداية سيئة لي في أول خطوة أمشيها في الطريق إلى المستقبل !

ركبت من بعد ذلك فوق دباب متجها في طريقي من باب اليمن إلى حيث يسكن شبان من حارتنا في حي الرقاص وانا مهموم جدا افكر ايش شاكون البس كل يوم لما اسير الجامعة ؟ وكيف بيكون شكلي ومظهري بين الزميلات والزملاء في الكلية وانا ماعد باقي معي من ضمار شنطتي الضائعة غير البدلة الذي فوقي وبس ؛ بينما كان المذياع فوق الباص حينها مفتوح على برنامج حواري اسمع فيه صوت المذيع يتكلم مع أحد ضيوفه عن مشروع توأمة مرتقبة بين جامعة صنعاء وجامعة السربون الفرنسية !
اعجبني الموضوع وكنت استمع إليه وانا والله مالي علم ايش هي هذي التوأمة اللي يتكلموا عليها ؛ولا عندي اي فكرة حول ايش هي الفائدة من التوأمة ؛ وفهمت من حوارات البرنامج حينها أنها تعني تبادل الخبرات لتحسين أداء وشكل الأكاديمية الضعيفة .

طنت في رأسي الفكرة ؛ ووصلت إلى عزبة شباب الحارة ودخلت عليهم وانا عطل بلا شنطة ؛ وجلست بينهم وعيوني مثل الرادار أتلفت إلى جدران الغرفة اشوف ثيابهم المعلقات وعقلي شغال مع فكرة التوأمة بين بدلتي الوحيدة التي وصلت بها إليهم وبين حقهم الثياب لأنو مش معقول اسير الجامعة كل يوم بنفس البدلة ومشتي يكون شكلي بين الزميلات والزملاء هو نفس الشكل اليومي وكأني سيارة تدخل وتخرج بنفس البودي .

لكن للأسف؛ كلهم كانوا عسكر وموظفين بسطاء
وأطمارهم المعلقة عرض جدران الغرفة كلها كانت تبدو مجرد زِنين ومَعاوِز، مع تشكيلات متنوعة من بدلات الميري.وشعرت لحظتها بأن الدبور محلق فوق رأسي، وبأن لا مجال على الإطلاق لأي توأمة طارئة في عِزْبة ما فيها حتى طالب جامعي واحد يمكن أن تكون لديه أي تطلعات لمتابعة الموضة .
ولم يكن أمامي حينها غير الاعتماد الكلي على بدلتي الوحيدة؛ بنطلون وشَميز وجَرَم داخلي وكلسون وجزمة قديمة وزوج شرابة؛ كضمار وحيد للشَّيْخصة، ولتحسين مظهر البودي امام الزملاء في الكلية.
وسار الشهر الأول كله عموما وأنا مرهق؛ أصَبِّن نفس البدلة بيدّاتي في كل ليل، وأضَحِّيها في سقف العزبة ، وأبكر ألبسها الصباح وهي على خَسَعها .. وأسير أدرس بها في بعض الأحيان، وهي مندية فوقي ؛ وأجلس بها بين الطلبة في قاعة المحاضرات وانا بردان وعطاسي لا يتوقف.
وتعبت من التَّصْبون في كل ليل .
ومليت من مظهري اليومي الثابت بنفس البدلة أمام الزملاء وكأني صنم لابس نفس الثياب؛وجالي سأم كبير من الاستمرار في عزبة عسكر وموظفين ما في ملابسهم كلها حتى قطعتين على بعضهم صالحات للتوأمة مع البودي.

في الترم الثاني تعرفت على طلبة من دفعتي يتوزعون السكن داخل غرفتين صغيرتين في عِزْبة متواضعة، وهم عشرة طلاب؛ ظروفهم المعيشية مشابهة تماما لظروفي، ومقاسات غالبية ثيابهم المتواضعة، المدندلة عرض جدران الغرفتين اللي يسكنوها مناسبة تماما لمقاسي.
‬وانتقلت للسكن رفقتهم، وتوأمت معهم فِيْسَع، وحدث بيننا تجانس سروالي وتلاقح شُمزاني سريع خلصني من هموم التَّصْبون اليومي. ولكنها كانت توأمة اضطرارية مشتركة مع عشرة طلاب كل واحد منهم معه سروالين وشميزين؛ أتناوب معهم على لبسهن ؛ في توأمة يومية مفضوحة بين زملاء الدفعة؛ لم تفد مظهر البودي إطلاقا قدر ما سببت لي كثيرًا من الإحراجات من تكرار لبس نفس الثياب المتداولة بيننا العشرة وكأنها جزء أصيل من مواد المنهج المقرر على طلاب المستوى الأول.
وضقت بمرور الترم الأول من البقاء في عزبة العشرة المبشرين بنفس الثياب، وقلت لنفسي:‬
- لاااا ما يخارجنيش مواصلة السكن مع طلبة مستجدين، والله ما لأميتاهم علم مو هي التوأمة مع البودي.

تعرفت في الترم الثاني على طلبة آخرين، ميسورين وأنيقين، وكلهم يدرسوا في غير كليتي، ويسكنون في عزبة مرتبة داخل أربع غرف وسيعات، وثيابهم المعلقة عرض الجدران كلها تبدو أنيقة وفاخرة ومن ماركات عالمية معروفة، ومقاساتها كلها مطابقة تمامًا لمقاسي، يعني زيما تقولوا هكذا رزق تفصول هطل عليَّ من السماء لتحسين المظهر الخارجي للبودي .
انتقلت للسكن معهم، وتوأمت مع ثيابهم فيسع، وطوقمت في الملبس؛ كما لم اعرف الطوقمة من قبل.
وخلال ظرف وجيز أصبح بيني وبينهم توأمة يومية حسنت مظهري بين الطلبة ، وأغنتني تمامًا عن غياري الوحيد القديم الذي نسيته في المغسلة. وماعد فكرت فيه خالص ولا فكرت أروح أجيبه أو ألبسه مرة ثانية . وأيش أعمل به أصلًا وقد معي في العزبة الجديدة توأمة مستدامة كست البودي من ساسه إلى رأسه، تمامًا مثلما كسا جدنا الأول «أسعد الكامل» الكعبة المشرفة ذات يوم غابر في الزمن.

وبفضل هاذيك التوأمة المستدامة مع أصحاب عزبة المبسوطين تنقلت في ساحة كلية الآداب بجامعة صنعاء، وأنا لابس أحسن وأرقى ثياب الماركات العالمية.
بس عاد كان في نفسي شيء واحد فقط ؟
كنت خاوِر أسير الكلية، ولو مرة واحدة فقط، وأنا لابس بدلة رسمية مع كرفتة مدندلة على رقبتي امشي بها بين الطلبة والريح تهفهفها شمال ويمين.
وكنت أشوف الدكاترة في الجامعة كل يوم لابسين البدلات الرسمية مع الكرفتات، وأتمنى من كل قلبي لو يكون بوسعي أن أعمل معاهم توأمة سريعة، أو لو نقع أنا وهم أصحاب نتبادل المعرفة والبدلات وربطات العنق.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال أكون ماشي في أي شارع من قدام أي محل ملبوسات يبيع بدلات رسمية مع كرفتات، ولا أتوقف لحظتها؛ أمام فاترينات العرض؛ لمشاهدتهن بعيون صوفي متعبد واقف أمام الكعبة .
وكان في تصوري الخاص أن اللي يلبس بدلات مع الكرفتة، إنسان متحضر، ومستقبله تمام. وأنا خااااور أقع متحضر بين الناس، حتى ولو لمره واحدة في الأسبوع .
وكانت مشكلتي الوحيدة المعيقة لتحقيق طموحي ذاك، أنه مافيش معي بين الأصحاب في عزبة التوأمة المستدامة، ولا حتى صاحب واحد على الأقل يلبس بدلات رسمية، كلهم حق بنطلونات وشمزان، وبس .
قبل أن أحظى في سنة ثالثة بفرصة التعرف على طالب جامعي وسيم أنيق ساكن في العِزْبة المجاورة، يدرس في كلية غير كليتي، يشتغل في عيادة طبيب أسنان، ويروح إلى دوامه اليومي فيها عصر كل يوم، وهو لابس أحسن وأرقى البدلات الرسمية، ومعه في غرفته الخاصة، جدار وَسيع أشبه بحائط عرض، ملانه بدلات رسمية من أفخر الماركات، مع عدد كبير من أرقى الكرفتات الفاخرات، أول ما شفتهن مدندلات قدامي عرض الجدار ؛ شهقت من الفرحة وقلت في نفسي:
-‬أيواااه هذا هو منجم الأبهة المنتظرة.
فِيْسَع وقعنا أصحاب أنا وهو طبعا
وفيسع توأمت معه.
والبدلة اللي كان يخلسها؛ بعد دوامه اليومي في العيادة، مايشوفها في اليوم الثاني إلا وقد هي ملبوسة فوقي تلقائيًا، وقدنا رايح بها إلى الجامعة، وقدنا مشَيْخِص بها في الكلية؛ وامشي بين الطلبة في الكلية والكرفتة مدندلة على رقبتي، والريح تهفهفها فوق صدري وتلعب بها شمال ويمين. ولا الدكتور نعمان مثلي !
منو الدكتور نعمان ؟
والله مالي علم . والمهم في الموضوع اني حققت حلمي الكبير في زيادة تحسين مظهر البودي بأحسن البدلات الرسمية واحسن ربطات عنق ؛ ولكن عد كان في نفسي شيء واحد وبس؟
كنت أشتي أعرف كيف يربطوا الكرفتة، وكيف يَخْرِشوها، تجنبًا لبعض المواقف المحرجة التي أحنب فيها فيما لو كنت لابس كرفتة اخترشت من فوقي، وأنا مدريش كيف أعيد رباطها مرة أخرى.
ولم يستمر جهلي ذاك كثيرًا على أية حال.
تعلمت من صاحبي الوسيم إياه، كيف يربطوا الكرفتة، وكيف يخرشوها، وشعرت حينذاك بأني قطعت شوطًا كبيرًا جدًا في تحسين مظهر البودي، وفي فن التعامل مع أهم متطلبات أناقة الشاب العصري المتحضر.
وتوسعت كثيرًا – من بعد ذلك - في أعمال التوأمة مع أحذية أنيقة وفاخرة لزملاء عربًا يدرسون معي في نفس الدفعة، واكتملت بذلك ملامح أناقتي المستعارة بين الطلبة في الكلية .وحبيت زميلتي بقلبي وبملابس غيري، وتنقلت بالبودي في قاعات المحاضرات بكل خفة وأنا لابس بدلات رسمية، معظمها كانت أجمل بكثير من تلك البدلات التي يرتديها دكاترة الجامعة.‬ ومشْوَرت أمشي بين أسراب الجميلات في ساحة الكلية بأحذية متعددة الجنسيات، وقطعت المسافات اليومية في الطريق إلى المستقبل بجسد ناحل يبدو كما لو أنه فاترينة عرض متحركة لملابس شبابية متنوعة وأنيقة وفاخرة، حسنت مظهر البودي تماما وعوضتني عن فقدان الشنطة الضائعة في أول خطوة امشيها في الطريق الى المستقبل .

تحسنت حظوظي أكثر من بعد ذلك وتلقيت دعوة من جامعة ناصر الأممية مشمولة التذاكر والإقامة والوجبات، للمشاركة في فعاليات شبابية لطلبة الجامعات العربية والإفريقية ستنظمها الجامعة خلال عشرة أيام في العاصمة الليبية طرابلس، وقلت لنفسي يومذاك وأنا أتهيأ نفسيًا لأول سفرية لي إلى خارج البلد:‬
- لااا يا فكري أنت رايح في مهمة طلابية مستعجلة لتمثيل بلادك بين الأمم في محفل دولي كبير، والموضوع مش بسيط؛ والبودي يشتي له توأمة سريعة عابرة للقارات لتحسين المظهر الخارجي.

وعلى طول توأمت مع الأصحاب في عزبة الماركات العالمية، واستعرت منهم أحسن ما لديهم من بنطلونات وشُمزان.
وتوأمت مع صاحبي الوسيم، واستعرت منه أحسن ثلاث بدلات مع أحسن ثلاثة شُمزان مع أحسن خمس كرفتات.
وتوأمت مع زملائي العرب في الجامعة واستعرت منهم أحسن جزمتين معتبرتين مع كوتش أنيق مع نظارة شمسية من أفخم الموديلات الفاخرة.
وعد كان في نفسي بس؛ لو معي شنطة مليحة كبيرة الحجم تستوعب كل الأغراض التي جمعتها من ضمار التوأمة المستدامة مع الأصحاب، لانو ما يصلحش أسافر لتمثيل بلادي بين الأمم وما معي شنطة.

وبتسخير من الله، لقيت في عزبة شبان الحارة واحد من الأصحاب كان على وشك الزواج خلال وقت قريب، وقدو مجهز حاله بشنطة كبيرة جديدة ومعتبرة دخلت في نفسي بصراحة، وقلت في خلدي وأنا أشوفها:‬
- أيواااه هذي هي شنطة الأحلام اللي تبيِّض الوجه.‬

توأمت معه بسرعة فائقة، واستعرت الشنطة منه بعد أن أقنعته بأني سأعيدها إليه، جديدة كما أخذتها منه، بعد أسبوعين فقط. وجابها لي وعبيتها بالثياب .
ويوم السفر دخلت إلى مطار صنعاء أجر الشنطة خلفي وأنا لابس أحسن بدلة مع أحسن كرفتة مُدندلة على رقبتي، بينما كنت مسافر عطل ؛ وما معي من أمتعة السفر الخاصة بي غير البودي والجواز وطقم البدلة الداخلية فقط.
شحنت الشنطة بين أمتعة المسافرين وعرفت ذيك الساع فقط، وأنا جالس في مقعدي فوق طائرة اليمنية، أن خط الرحلة سيكون كالتالي:‬
الانطلاق من مطار صنعاء والهبوط ترانزيت في مطار القاهرة، والانطلاق من بعد ذلك جوًا إلى جزيرة مالطا في جروب واحد مع أعضاء جميع الوفود الطلابية المشاركين في نفس المسابقة، ثم الانطلاق من بعد ذلك بحرًا من مالطا وصولًا إلى العاصمة الليبية طرابلس كآخر محطة للوصول . ‬

هبطت الطيارة في مطار القاهرة
ونزلت من فوقها مقطوب أمشي في الطواريد إلى منطقة استلام العفش، ولم أعثر على شنطتي! وخفت حينها على ضمار التوأمة العابرة للقارات، وارتعبت على مظهر البودي كيف سيكون بين الطلبة الأفارقة والعرب في المحفل الدولي الكبير ؟!
وعرفت حينها من منسق الجروب بأن الشنطة اشتحنت دايركت من مطار القاهرة إلى مطار مالطا، وتنفست الصعداء.

جلست من بعد ذلك في مقعدي فوق الطائرة المالطية وأنا أفكر بضَمار شنطة التوأمة العابرة للقارات، وكل شوية أقلب في مخيلتي ألوان البنطلونات والشمزان المتوفرات لديَّ، وأطَوْقِم بينهن، وأنا ناوي أعمل خلال العشر الأيام التي سأقضيها في ليبيا، مهرجان أناقة مستعارة عمر أمه ما قد حصل في أي محفل دولي، وعندي حماس كبير لخطف أنظار جميع الطلبة بوسامة لم يعرفها البودي من قبل. ولكن الذي حدث في مطار مالطا كان صادمًا وغير متوقع، وما هو؟ وكيف؟ وأيش اللي حصل؟

عثر كل أعضاء الوفود الطلابية على حقائبهم بسهولة في منطقة استلام العفش بمطار مالطا ، عداي أنا فقط محلبط لم أعثر خالص على شنطتي ؛ ادور عليها فوق جهاز الأمتعة المتحرك ولا لها وجود ولا هَلَّها حتى في غرفة المفقودات داخل المطار، وأنا تائه وحانِب ومش داري كيف أتصرف، ولا فين أروح ، وما معي في يدي حتى ‭«‬ليبل‭»‬ لتسجيل بلاغ بفقدانها ؟ ومافيش أي وقت إضافي يمكن إضاعته داخل المطار في الملاحقة بعدها أو لمعرفة مصيرها الغامض والمجهول.‬‬‬‬‬‬‬وسودت الدنيا في وجهي لحظتها وفقدت الأمل في العثور عليها، وانطلقت مع أعضاء الوفود الطلابية إلى ميناء مالطا، وركبت معهم فوق السفينة المبحرة إلى محطة الوصول الأخيرة في العاصمة الليبية طرابلس، وأنا مَفْكود تماما على شنطة التوأمة العابرة للقارات.‬

وبعد ست عشرة ساعة في البحر..
وصل جميع أعضاء الوفود الطلابية إلى الفندق ، متحملين شنطاتهم في أيديهم ؛ عداي أنا المدبر ابن المدبر وصلت إلى غرفتي عَطَل بلا شنطة، وما معي غير البدلة الذي فوقي وبس كآخر ضمار لتحسين مظهر البودي امام الطلبة المشاركين في فعاليات جامعة ناصر التي ستنطلق في تمام الساعة الثامنة صباح الغد .

حمدت الله وشكرته لحظتها ؛ وخلست الكوت والبنطلون والشميز من فوقي وطرحتهن داخل كيس اخذت من أحد دواليب الغرفة وبقيت بالجرم العلاقي وكلسون سباحة ارتديه كسروال داخلي ؛ والتحفت منشفة الغرفة حول خصري وخرجت امشي في الطواريد متجها إلى مغسلة الفندق وانا مقتنع تماما أنه مافيش اي فرصة لأي توأمة محتملة مع أي غريب في البلاد الغريبة . وناولت الكيس من يدي للموظف في المغسلة ، وقلت له برجاء:‬
- هولا ثلاث قطع أشتيهن غسيل وكاوية مستعجل الآن لو سمحت.‬
اعتذر الموظف عن عدم تلبية رغبتي المستعجلة، لأن الساعة حينها قد كانت تسع الليل، والدوام قد انتهى، وقال لي بلكنته الليبية السريعة، وهو يأخذ الكيس من يدي:‬
- تعال لهن بكره الصباح بدري يكونين جاهزات.

بكرت اليوم الثاني من صباح الصبح وأنا مستعد نفسيًا للذهاب إلى فعالية التدشين في جامعة ناصر.
وسرت أمشي مستعجلًا من الغرفة إلى المغسلة وأنا لابس نفس الجَرَم العَلّاقي ونفس الكلسون ، وخاصرتي ملفوفة بنفس المنشفة البيضاء، ووجدت أن هناك موظف آخر في المغسلة.
صبَّحت عليه بكل لطف، وأخبرته من بعد ذلك أني أشتي بدلتي اللي طرحتها أمس باسم «فكري قاسم».
رد على تحية الصباح بنفس اللطف، وأخذ يتلفت إلى جميع الملابس المعطَّفات في الرفوف والمعلقات بالخطاطيف في زوايا وأركان المغسلة، يبحث عن قطع الملابس الخاصة بي ؛ ويدوِّر بإمعان على اسمي المكتوب في القصاصات اللاصقة،ولم يعثر بينهن جميعًا على اسمي، ولا على بدلتي.
وأخبرني ذيك الساع أن الموظف حق أمس الذي استلم مني كيس الثياب ؛ تعرض لمشكلة ليلة البارحة، اقتضت منه السفر المستعجل إلى خارج البلاد.
ايواااه
حسيت الكلسون ينطل من فوقي لحظتها وهو يكلمني عن ضياع البدلة ؛ واشترخ رأسي نصين وشعرت كما لو أن المخابرات الليبية قد عرفت منذ البداية أني جيت إلى بلادهم بشنطة أناقة مستعارة ملانها ثياب مش حقي أصلًا!

فاتني حفل تدشين فعاليات جامعة ناصر يومها طبعا ومش كذا وبس .
ولكن مرت العشر الأيام كلها من بعد ذلك وأنا حبيس داخل الفندق، أخرج من غرفتي كل يوم إلى المطعم المفتوح أثناء الوجبات الثلاث، في مواقيت معلومة ؛ أذهب إليها بانتظام، وأنا لابس نفس الجَرَم العلاقي ونفس كلسون السباحة، كما لو أنني سائح واخذ راحته على الآخر.‬
وفي كل يوم أجلس على كراسي المطعم ، بين زحام الوفود الطلابية، وعيوني تتحرك بينهم زي الرادار، أشوفهم أيش لابسين، وأتحقق بإمعان إلى وجوههم ؛ أدوِّر بينهم على أي طالب عربي أو إفريقي،قد تكون لديه ملابس صالحة للتوأمة مع حقي البودي الذي اتحرك به أمامهم ؛ ولا أشعر مطلقا بالألفة بينهم، وأفقد جرأة مد جسور التواصل معهم، وأغادر المطعم، بعد كل وجبة، وأنا أضحك على نفسي وأقول في خلدي :‬
- من شيتَوْئم معك أصلًا وأنت غريب في بلاد غريبة، وما معك فوق البودي غير الجرم والكلسون؟!
.........
من كتاب الحنبات




الأكثر زيارة


القوات الامريكية تعلن تدمير طائرة بدون طيار ومركبة دعم للحو/.

السبت/07/سبتمبر/2024 - 07:06 ص

أعلنت القيادة المركزية الأمريكية، أن قواتها دمرت خلال الاربع والعشرين ساعة الماضية، طائرة بدون طيار ومركبة دعم واحدة في منطقة خاضعة لسيطرة الحوثيين ال


عاجل : الحزام الأمني ينشر اعترافات لعنصر حو/ثي ضمن خلية تفجي.

السبت/07/سبتمبر/2024 - 09:41 م

وثق تسجيل مرئي، بثته قوات الحزام الأمني بالعاصمة عدن، مساء اليوم، اعترافات لعنصر حوثي متورط برصد حركة الطيران بالمطار، وإرسال إحداثيات للقيادي في مليش


سعر الدولار في عدن وحضرموت اليوم السبت 7 - 9 - 2024.

السبت/07/سبتمبر/2024 - 11:50 ص

حقق سعر صرف الدولار في العاصمة عدن وحضرموت اليوم السبت 7 - 9 - 2024، نحو 1908 ريالات للشراء مقابل 1920 ريالا للبيع. سعر صرف الدولار اليوم في حضرموت: ك


تطور جديد وغير متوقع في سعر الصرف مساء السبت في عدن والمحافظ.

السبت/07/سبتمبر/2024 - 11:06 م

اسعار الصرف وبيع العملات الاجنبية مقابل الريال اليمني مساء اليوم السبت بالعاصمة عدن الموافق 7 سبتمبر 2024 م الريال السعودي: الشراء = 498 البيع = 501 ا