خيانة في المعاشيق.. كيف تحول مكتب رئيس الوزراء إلى بؤرة اختراق حو'ثي؟
الجمعة - 31 يناير 2025 - 07:42 م
صوت العاصمة | متابعات خاصة
تصاعد الجدل في الأوساط السياسية والإعلامية اليمنية بعد التسريبات الصادمة التي كشفها قائد قوات الحزام الأمني في عدن، العميد جلال الربيعي، حول قضية التخابر مع مليشيا الحوثي داخل أروقة الحكومة الشرعية.
كان أبرز المتهمين في هذه القضية علي محمد النعيمي، مساعد أول مدير مكتب رئيس الوزراء، والذي تم القبض عليه من قبل قوات الحزام الأمني، قبل أن يتم تسليمه إلى الجهات الرسمية لاستكمال التحقيقات.
ومع ذلك، فإن تواجده اليوم في القاهرة يطرح تساؤلات جدية حول مدى تغلغل الفساد في الشرعية، وعما إذا كانت هناك إرادة حقيقية لمواجهة الاختراقات الأمنية أم أن التخادم مع الحوثي أصبح جزءًا من اللعبة السياسية.
النعيمي.. رجل الإخوان في قلب الحكومة
لم يكن تعيين النعيمي في منصب حساس داخل مكتب رئاسة الوزراء محض صدفة، بل كان امتدادًا لنفوذ قوى الفساد والإخوان المسلمين داخل مؤسسات الشرعية، حيث يعود ارتباطه بالجنرال علي محسن الأحمر وحميد الأحمر إلى سنوات طويلة.
بدأ النعيمي عمله الحكومي في مكتب رئيس الوزراء الأسبق محمد سالم باسندوه، وظل في صنعاء حتى بعد سقوطها بيد الحوثيين عام 2014، وهو ما يثير تساؤلات حول علاقاته مع الجماعة خلال تلك الفترة.
وفي عام 2018، تم استدعاؤه إلى عدن خلال حكومة أحمد عبيد بن دغر، حيث تولى منصب مساعد مدير مكتب رئيس الوزراء أنيس باحارثة، ومن ثم بدأ في توسيع نفوذه داخل مؤسسة رئاسة الوزراء، وخلال فترة توليه ملف الابتعاث، تورط في قضايا فساد كبرى، من بينها فضيحة فساد المنح الدراسية التي تم الكشف عنها عام 2022، حيث استفاد ابنه أيمن النعيمي من منحة دراسية لنيل درجة الماجستير في الاقتصاد بمصر على حساب الدولة.
ورغم هذه الفضائح، لم تتم محاسبته، بل جرت ترقيته في ديسمبر 2022 إلى منصب "مساعد أول مدير مكتب رئيس الوزراء بدرجة وزير عامل"، بقرار من رئيس الوزراء آنذاك معين عبدالملك، وموافقة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، ما يعكس استمرار نفوذ القوى المتورطة في الفساد داخل مؤسسات الدولة.
تفكيك خلية التخابر مع الحوثي
جاءت تصريحات العميد جلال الربيعي لتكشف عن خلية تابعة للحوثيين تم زرعها داخل مكتب رئيس الوزراء، وعلى رأسها النعيمي، إلى جانب رئيس دائرة السكرتارية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، موسى الصريب، ومدير عام الموارد، علي القحوي.
ووفقًا للمعلومات المسربة، فقد تم القبض على النعيمي من قبل قوات الحزام الأمني في عدن بتاريخ 28 أكتوبر 2024، حيث خضع للتحقيق الأمني حول التهم المنسوبة إليه، والتي تتعلق بالتخابر مع الحوثيين وإفشال عمليات أمنية حساسة.
وأظهرت وثيقة رسمية نشرتها مصادر مقربة من قوات الحزام الأمني عملية التسليم والاستلام بين القوات الأمنية ومسؤول الدفاع والأمن في رئاسة الوزراء، الدكتور ياسين المصري، حيث تم تسليم النعيمي مع عدد من المضبوطات المرتبطة بالقضية.
هروب النعيمي إلى القاهرة.. فضيحة أخرى
ورغم خطورة التهم الموجهة إليه، إلا أن النعيمي لم يخضع لمحاكمة أو إجراءات قانونية واضحة، بل تفاجأ الرأي العام بوجوده حاليًا في العاصمة المصرية القاهرة برفقة أسرته، في خطوة تثير الشكوك حول دور قيادات عليا في الشرعية في التستر عليه، فبعد تسليمه إلى قصر المعاشيق في عدن، يبدو أنه حظي بحماية من قبل شخصيات نافذة داخل مجلس القيادة الرئاسي، ما يضع علامات استفهام حول جدية الحكومة في مواجهة الخلايا الحوثية داخل مؤسساتها.
ويرى مراقبون أن قضية النعيمي ليست مجرد حادثة فردية، بل تعكس مدى التخادم القائم بين بعض قوى الشرعية والحوثيين، حيث يتم التستر على عناصر متورطة في قضايا خيانة عظمى، في حين يُترك الشارع اليمني يدفع ثمن هذه التواطؤات.
الشرعية.. اختراق حوثي أم فساد مزمن؟
قضية النعيمي تؤكد ما كان يردده كثير من المراقبين حول أن الشرعية لم تعد كيانًا موحدًا يدافع عن الدولة، بل تحولت إلى مظلة لمراكز نفوذ متصارعة، بعضها لا يتردد في التعاون مع الحوثيين لتحقيق مكاسب خاصة.
في حين تدفع القوات الجنوبية، ممثلةً بالحزام الأمني والقوات المسلحة الجنوبية، الثمن الأكبر في مواجهة المشروع الحوثي، نجد أن بعض القوى داخل الشرعية لا تزال تتعامل بمرونة مريبة مع الاختراقات الأمنية، وتُسهل خروج المتورطين من المحاسبة.
كما أن استمرار نفوذ الإخوان المسلمين داخل مفاصل الشرعية، حتى بعد إزاحة الرئيس عبدربه منصور هادي، يُعد أحد العوامل التي ساهمت في تفاقم الأوضاع، حيث تحولت بعض مؤسسات الدولة إلى أوكار لمراكز نفوذ تدير ملفاتها لمصالحها الخاصة، دون اكتراث للأمن القومي اليمني.
فضيحة النعيمي ليست سوى نموذج صغير لحالة الفساد والعبث المستشري داخل مؤسسات الشرعية، والتي باتت تشكل خطرًا لا يقل عن خطر الحوثيين أنفسهم، فبينما يقاتل الجيش والمقاومة لتحرير اليمن، تستمر بعض القيادات في تسهيل عمليات الاختراق والتواطؤ مع العدو، في صورة تعكس مدى الانحطاط السياسي الذي وصلت إليه الشرعية.
إن استمرار مثل هذه الفضائح دون محاسبة حقيقية، يهدد مستقبل اليمن ويؤكد الحاجة الملحة لإصلاح جذري داخل مؤسسات الدولة، بعيدًا عن نفوذ القوى التي حولت الشرعية إلى وسيلة لتحقيق المكاسب الشخصية على حساب معاناة الشعب اليمني.