لقد وضع ترامب في اجندته الخارجية ثلاث اولويات: "غزة ، اوكرانيا ، ايران" . ومنذ يناير قام الرئيس الامريكي بتصميم قراراته و تحركاته بناء على المنطق "المعاملاتي" التالي :
انا اساعد روسيا لانهاء الحرب من خلال الضغط على اوكرانيا و اوروبا . بالمقابل روسيا تساعدني بالوصول الى صفقة مربحة مع طهران من خلال ممارسة الضغوط عليها.
ومثلما امنح اسرائيل ما تريد في صراعها مع العرب ، فعليها ان تلتزم بالنص ولا ترتجل حيال نهجي في الشرق الاوسط وبالتالي انا امتلك قرار الحرب في حال كان هناك ضغوط قصوى وانا افرض خيار السلام في حال توصلنا لصفقة.
حتى الان يبدو منطق ترامب فعّالا ؛ وموخرا ذهبت موسكو لتعرض على طهران وساطتها بخصوص الملف النووي ، لكن خامنئي وبزشكيان تحفظا على العرض.
وعلى الارجح فان موسكو بادرت من جهتها لممارسة قدر من الضغوط على صانع القرار الايراني ، مثلما يفعل ترامب مع زلنسكي.
ولعلها ليست مصادفة ان يتزامن رفض الوساطة الروسية ، مع تحرك الاذرع السياسية للحرس الثوري - حليف موسكو الوثيق- للتصعيد ضد حكومة بزشكيان واقصاء اهم عناصرها الفاعلة وهما ظريف عراب السياسة الخارجية و همتي وزير الاقصاد.
وبطبيعة الحال فان تغير ميزان القوى الايراني لصالح الحرس الثوري سوف يكون له انعكاس مباشر على سياسة ايران الخارجية ، ويمكن ملاحظة اولى التدعيات في اليمن مع تهديدات عبدالملك الحوثي بمنح اسرائيل مهلة ٤ ايام لفك الحصار عن غزة والا سوف يهاجم الملاحة ، وقد مثل هذا التصريح انقلابا على نهج ايران التهدوي منذ نكسة حزب الله وزلزال سوريا.
ان الضغط الامريكي الاقصى على ايران من جهة ، والضغط الضمني من قبل حليفها الروسي من جهة اخرى ؛ كل ذلك يجعل خامنئي وبزشكيان امام خيارين احلاهما مر : اما الدخول في صفقة من موقع الضعف ، او البقاء عند موقف التمنع مع المجازفة باختلال التوازنات الداخلية و حدوث مواجهة اقليمية.
و الخيار الثاني هو بالضبط ما تفضله اسرائيل ، و العجيب ان هذه المصلحة الاسرائلية تتطابق مع مصالح الحرس الثوري ومن خلفه جماعة الحوثي. ويدرك محور طهران تماما ان اشعال جبهة الاسناد في اليمن لن ينهي الحصار على غزة بقدر ما يمنح تل ابيب الذرائع اللازمة لاستئناف حربها ضد القطاع ، و يرجح سيناريو التهجير على حساب المبادرة العربية.
و الموكد ان ما فشل محور المقاومة في تحقيقه مع ذروة قوته عام ٢٠٢٤ ، سوف يستحيل تحقيقه اليوم. وقادة الحرس الثوري اذكى من أن يجهلوا هذه الحقيقة.
لكن الغاية ليس فك الحصار عن غزة ، مع العلم ان حماس حاليا تفاوض امريكا مباشرة بهذا الخصوص. بل الهدف هو استعادة دينمكيات التصعيد الاقليمي التي تعيد الحرس الثوري - تماما مثلما ترتقي باليمين الاسرائيلي- الى صدراة المشهد.