خدمة رديئة وسلوك احتكاري وتسعير جائر: قراءة نقدية في تسعيرة الإنترنت لدى شركة سبافون- عدن
الأحد - 13 أبريل 2025 - 01:32 ص
صوت العاصمة | خاص | د.هيثم جواس
في بيئة اقتصادية خانقة، يعيش المواطن اليمني بين مطرقة التضخم وسندان انعدام الخدمات الأساسية، تظهر بعض الشركات الخاصة وكأنها استثناء من منطق السوق المتدهور، ليس من حيث الجودة، بل من حيث قدرتها على فرض أسعار شبه تعسفية في مقابل خدمة محدودة أو شبه معدومة. نموذج ذلك: شركة سبافون، التي تقدم خدمات الإنترنت بأسعار لا تتناسب لا مع تكلفة الخدمة ولا مع جودتها الفعلية.
مفارقات التسعير: حين تتفوق الجيجا على منطق السوق
تبيع بوابة عدن نت باقة 80 جيجا لشركة عدن نت بسعر لا يتجاوز 8,000 ريال يمني، ما يعني أن تكلفة الجيجا الواحدة لا تتعدى 100 ريال. وتقوم شركة عدن نت ببيع نفس الباقة للمستهلك بسعر 12,000 ريال، أي بربح واضح ولكنه مقبول نسبيًا في ظل تشغيل الشبكة وضمان استدامة الخدمة.
لكن الغرابة تبدأ حين نفرض جدلا إن بوابة عدن نت تبيع نفس الباقة (80 جيجا) لشركة سبافون بسعر 16,000 ريال (أي 200 ريال للجيجا). المفترض أن تقوم سبافون بتوزيع الخدمة بسعر تنافسي لتربح دون إرهاق المستهلك، لكن الواقع يكشف العكس:
تقوم سبافون ببيع باقة 15 جيجا بسعر 8,500 ريال، أي 566ريال للجيجا الواحدة — وهو سعر يزيد على تكلفة الجيجا بـ أكثر من 180%، ناهيك عن قيمة الشريحة التي تتجاوز 60 الف ريال.
التساؤلات المشروعة:
1. أين تذهب الفجوة السعرية؟
إذا كانت الجيجا تكلف الشركة 200 ريال، فلماذا تُباع بثلاثة أضعاف ذلك؟ هل يعود ذلك إلى كفاءة تشغيل منخفضة؟ أم أن الشركة تمارس نوعًا من التسعير الجائر مستغلة قلة البدائل للمستخدمين؟
2. كيف تُبرر الشركة هذا السعر في ظل رداءة التغطية؟
المفارقة الكبرى أن خدمات الإنترنت لا تتوفر بشكل فعلي حتى في موقع الشركة الرئيسي، ما يجعل السؤال أكثر إلحاحًا: ما الذي يدفع المستخدم لدفع 500 ريال مقابل جيجا واحدة تُستهلك في بيئة تغطية رديئة وسرعة غير مستقرة؟
3. هل تستغل سبافون غياب الرقابة؟
في غياب جهاز رقابي فعّال يحمي المستهلك من ممارسات الاحتكار والاستغلال، تجد شركات مثل سبافون بيئة خصبة لتحديد الأسعار بعيدًا عن أي معايير موضوعية أو شفافية.
4. ما مدى تأثير سلوك هذه الشركات على الأمن القومي في المحافظات المحررة؟
إن ستمرار الشركات التي تعمل في عدن بهذ السلوك والآلية هو ماجعل شركات الاتصالات الواقعة تحت سيطرة الانقلابين تتوسع يوم بعد يوم وتزيد من حجم عائداتها، إزاء هذه البيئة الملائمة.
البعد الأعمق: تشوهات السوق وغياب العدالة الرقمية
ما تقوم به سبافون ليس مجرد خطأ تسعيري عابر، بل هو علامة على اختلالات أعمق في هيكل السوق اليمني، وتعزز من سيطرة الحوثي على هذا القطاع، حيث تُدار الخدمات الأساسية بروح تجارية خالصة، دون مراعاة للواقع المعيشي، ودون التزام بالحد الأدنى من الشفافية في التسعير أو تحسين البنية التحتية.
إذا كانت شركات الاتصالات تسعى لتحقيق الربح، فهذا مفهوم في إطار اقتصادي حر، لكن حين يغيب التوازن بين الكلفة والجودة والسعر، وتتحول الحاجة الأساسية إلى مصدر ابتزاز للمستهلك، فذلك يُعد سلوكاً احتكارياً مقنعاً، ويجب مواجهته بسياسات واضحة تفرض العدالة الرقمية وتحمي المواطنين من استغلال الشركات.
وعليه نطالب شركة سبافون بمراجعة أسعارها، وتوضيح معايير التسعير، وتحسين جودة الخدمة بما يتناسب مع ما يدفعه المستهلك. كما أن على وزارة الاتصالات و المؤسسة العامة للاتصالات وبوابة عدن نت بالتحرك العاجل لوضع ضوابط للسوق، بما يضمن الحق في الاتصال كأحد حقوق الإنسان الأساسية في العصر الرقمي، لا كامتياز يباع بثمن باهظ لمن يستطيع فقط.